فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اعلم أن هذا هو الشبهة الخامسة لمنكري النبوة كانوا يقولون: الله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدًا من البشر، بل لو أراد بعثة رسول إلينا لكان يبعث ملكًا، وقد ذكرنا تقرير هذه الشبهة في سورة الأنعام فلا نعيده ههنا، ونظير هذه الآية قوله تعالى حكاية عنهم: {وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} [الأنعام: 8]، وقالوا: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47]، وقالوا: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مّثْلَكُمْ} [المؤمنون: 33، 34]، وقال: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلى رَجُلٍ مّنْهُمْ} [يونس: 2]، وقالوا: {لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7].
فأجاب الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُّوحِى إِلَيْهِمْ} والمعنى: أن عادة الله تعالى من أول زمان الخلق والتكليف أنه لم يبعث رسولًا إلا من البشر، فهذه العادة مستمرة لله سبحانه وتعالى، وطعن هؤلاء الجهال بهذا السؤال الركيك أيضًا طعن قديم فلا يلتفت إليه.
المسألة الثانية:
دلت الآية على أنه تعالى ما أرسل أحدًا من النساء، ودلت أيضًا على أنه ما أرسل ملكًا، لكن ظاهر قوله: {جَاعِلِ الملائكة رُسُلًا} [فاطر: 1]. يدل على أن الملائكة رسل الله إلى سائر الملائكة، فكان ظاهر هذه الآية دليلًا على أنه ما أرسل رسولًا من الملائكة إلى الناس.
قال القاضي: وزعم أبو علي الجبائي أنه لم يبعث إلى الأنبياء عليهم السلام إلا من هو بصورة الرجال من الملائكة.
ثم قال القاضي: لعله أراد أن الملك الذي يرسل إلى الأنبياء عليهم السلام بحضرة أممهم، لأنه إذا كان كذلك فلابد من أن يكون أيضًا بصورة الرجال، كما روي أن جبريل عليه السلام حضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وفي صورة سراقة، وإنما قلنا ذلك لأن المعلوم من حال الملائكة أن عند إبلاغ الرسالة من الله تعالى إلى الرسول قد يبقون على صورتهم الأصلية الملكية، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام على صورته التي هو عليها مرتين، وعليه تأولوا قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أخرى} [النجم: 13]، ولما ذكر الله تعالى هذا الكلام أتبعه بقوله: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في المراد بأهل الذكر وجوه: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد أهل التوراة، والذكر هو التوراة.
والدليل عليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزبور مِن بَعْدِ الذكر} [الأنبياء: 105]. يعني التوراة.
الثاني: قال الزجاج: فاسألوا أهل الكتب الذين يعرفون معاني كتب الله تعالى، فإنهم يعرفون أن الأنبياء كلهم بشر، والثالث: أهل الذكر أهل العلم بأخبار الماضين، إذ العالم بالشيء يكون ذاكرًا له.
والرابع: قال الزجاج: معناه سلوا كل من يذكر بعلم وتحقيق.
وأقول: الظاهر أن هذه الشبهة وهي قولهم: الله أعلى وأجل من أن يكون رسوله واحدًا من البشر إنما تمسك بها كفار مكة، ثم إنهم كانوا مقرين بأن اليهود والنصارى أصحاب العلوم والكتب فأمرهم الله بأن يرجعوا في هذه المسألة إلى اليهود والنصارى ليبينوا لهم ضعف هذه الشبهة وسقوطها، فإن اليهودي والنصراني لابد لهما من تزييف هذه الشبهة وبيان سقوطها.
المسألة الثانية:
اختلف الناس في أنه هل يجوز للمجتهد تقليد المجتهد؟ منهم من حكم بالجواز واحتج بهذه الآية فقال: لما لم يكن أحد المجتهدين عالمًا وجب عليه الرجوع إلى المجتهد الآخر الذي يكون عالمًا لقوله تعالى: {فاسألوا أَهْلَ الذكر إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} فإن لم يجب فلا أقل من الجواز.
المسألة الثالثة:
احتج نفاة القياس بهذه الآية فقالوا: المكلف إذا نزلت به واقعة فإن كان عالمًا بحكمها لم يجز له القياس، وإن لم يكن عالمًا بحكمها وجب عليه سؤال من كان عالمًا بها لظاهر هذه الآية، ولو كان القياس حجة لما وجب عليه سؤال العالم لأجل أنه يمكنه استنباط ذلك الحكم بواسطة القياس، فثبت أن تجويز العمل بالقياس يوجب ترك العمل بظاهر هذه الآية فوجب أن لا يجوز، والله أعلم.
وجوابه: أنه ثبت جواز العمل بالقياس بإجماع الصحابة، والإجماع أقوى من هذا الدليل، والله أعلم.
ثم قال تعالى: {بالبينات والزبر} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
ذكروا في الجالب لهذه الباء وجوهًا: الأول: أن التقدير: وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالًا يوحى إليهم، وأنكر الفراء ذلك وقال: إن صلة ما قبل إلا لا يتأخر إلى بعد، والدليل عليه: أن المستثنى عنه هو مجموع ما قبل إلا مع صلته، فما لم يصر هذا المجموع مذكورًا بتمامه امتنع إدخال الاستثناء عليه.
الثاني: أن التقدير: وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا يوحى إليهم بالبينات والزبر، وعلى هذا التقدير فقوله: {بالبينات والزبر} متعلق بالمستثنى.
والثالث: أن الجالب لهذا الباء محذوف، والتقدير أرسلناهم بالبينات وهذا قول الفراء.
قال: ونظيره ما مر إلا أخوك بزيد ما مر إلا أخوك ثم يقول مر بزيد.
الرابع: أن يقال: الذكر بمعنى العلم، والتقدير فاسألوا أهل الذكر بالبينات والزبر إن كنتم لا تعلمون.
الخامس: أن يكون التقدير: إن كنتم لا تعلمون بالبينات والزبر فاسألوا أهل الذكر.
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {بالبينات والزبر} لفظة جامعة لكل ما تكامل به الرسالة، لأن مدار أمرها على المعجزات الدالة على صدق من يدعي الرسالة وهي البينات وعلى التكاليف التي يبلغها الرسول من الله تعالى إلى العباد وهي الزبر.
ثم قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
ظاهر هذا الكلام يقتضي أن هذا الذكر مفتقر إلى بيان رسول الله والمفتقر إلى البيان مجمل، فظاهر هذا النص يقتضي أن القرآن كله مجمل، فلهذا المعنى قال بعضهم متى وقع التعارض بين القرآن وبين الخبر وجب تقديم الخبر لأن القرآن مجمل والدليل عليه هذه الآية، والخبر مبين له بدلالة هذه الآية، والمبين مقدم على المجمل.
والجواب: أن القرآن منه محكم، ومنه متشابه، والمحكم يجب كونه مبينًا فثبت أن القرآن ليس كله مجملًا بل فيه ما يكون مجملًا فقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ} محمول على المجملات.
المسألة الثانية:
ظاهر هذه الآية يقتضي أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبين لكل ما أنزله الله تعالى على المكلفين، فعند هذا قال نفاة القياس لو كان القياس حجة لما وجب على الرسول بيان كل ما أنزله الله تعالى على المكلفين من الأحكام، لاحتمال أن يبين المكلف ذلك الحكم بطريقة القياس، ولما دلت هذه الآية على أن المبين لكل التكاليف والأحكام، هو الرسول صلى الله عليه وسلم علمنا أن القياس ليس بحجة.
وأجيب عنه بأنه صلى الله عليه وسلم لما بين أن القياس حجة، فمن رجع في تبيين الأحكام والتكاليف إلى القياس، كان ذلك في الحقيقة رجوعًا إلى بيان الرسول صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم}.
هذا خطابٌ لمشركي قريش.
{فاسألوا أهل الذكر إن كنت لا تعلمون} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن أهل الذكر العلماء بأخبار من سلف من القرون الخالية الذين يعلمون أن الله تعالى ما بعث رسولًا إلا من رجال الأمة، وما بعث إليهم ملكًا.
الثاني: أنه عنى بأهل الذكر أهل الكتاب خاصة، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثالث: أنهم أهل القرآن، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذِّكر لتبين للناس ما نُزِّلَ إليهم} تأويلان:
أحدهما: أنه القرآن. الثاني: أنه العلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله: {وما أرسلنا من قبلك} الآية، هذه الآية رد على كفار قريش الذين استبعدوا أن يكون البشر رسولًا من الله تعالى، فأعلمهم الله تعالى مخاطبًا لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يرسل إلى الأمم {إلا رجالًا}.
ولم يرسل ملكًا ولا غير ذلك، و{رجالًا} منصوب ب {أرسلنا} و{إلا} إيجاب، وقرأ الجمهور بضم الياء وفتح الحاء، وقرأت فرقة {يُوحِي} بضم الياء وكسر الحاء، وقرأ عاصم من طريق حفص وحده {نوحِي} بالنون وكسر الحاء، وهي قراءة ابن مسعود وطلحة بن مصرف وأبي عبد الرحمن ثم قال تعالى: {فاسألوا}، و{أهل الذكر} هنا اليهود والنصارى، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن، وقال الأعمش وسفيان بن عيينة: المراد من أسلم منهم، وقال ابن جبير وابن زيد: {أهل الذكر} أهل القرآن.
قال القاضي أبو محمد: وهذان القولان فيهما ضعف، لأنه لا حجة على الكفار في إخبار المؤمنين بما ذكر، لأنهم يكذبون هذه الصنائف، وقال الزجاج: {أهل الذكر} هنا أحبار اليهود والنصارى الذين لم يسلموا، وهم في هذه النازلة خاصة إنما يخبرون بأن الرسل من البشر، وإخبارهم حجة على هؤلاء، فإنهم لم يزالوا مصدقين لهم ولا يتهمون لشهادة لنا لأنهم مدافعون في صدر ملة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو كسر حجتهم من مذهبهم، لا أنّا افتقرنا إلى شهادة هؤلاء، بل الحق واضح في نفسه، وقد أرسلت قريش إلى يهود يثرب يسألون ويستندون إليهم، وقوله: {بالبينات} متعلق بفعل مضمر تقديره أرسلناهم بالبينات، وقالت فرقة الباء متعلقة ب {أرسلنا} في أول الآية، والتقدير على هذا وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالًا، ففي الآية تقديم وتأخير، {والزبر} الكتب المزبورة، تقول زبرت ودبرت إذا كتبت، و{الذكر} في هذه الآية القرآن، وقوله: {لتبين} يحتمل أن يريد لتبين بسردك نص القرآن ما نزل، ويحتمل أن يريد لتبين بتفسيرك المجمل، وشرحك ما أشكل مما نزل، فيدخل في هذا ما بينته السنة من أمر الشريعة، وهذا قول مجاهد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نوحي إِلَيْهِمْ}.
قراءة العامة {يُوحَى} بالياء وفتح الحاء.
وقرأ حفص عن عاصم: {نُوحي إليهم} بنون العظمة وكسر الحاء.
نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرًا، فهلاّ بعث إلينا مَلَكًا؛ فردّ الله تعالى عليهم بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} إلى الأمم الماضية يا محمد {إلا رِجالا} آدميين.
{فاسألوا أَهْلَ الذكر} قال سفيان: يعني مؤمني أهل الكتاب.
{إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ} يخبرونكم أن جميع الأنبياء كانوا بشرًا.
وقيل: المعنى فاسألوا أهل الكتاب فإن لم يؤمنوا فهم معترفون بأن الرسل كانوا من البشر.
رُوِيَ معناه عن ابن عباس ومجاهد.
وقال ابن عباس: أهل الذكر أهل القرآن.
وقيل: أهل العلم، والمعنى متقارب.
{بالبينات والزبر} قيل: {بالبينات} متعلق ب {أرسلنا}.
وفي الكلام تقديم وتأخير، أي ما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إلا رجالًا أي غير رجال، ف {إلاّ} بمعنى غير؛ كقوله: لا إله إلا الله، وهذا قول الكلبيّ نوحِي إليهم.
وقيل: في الكلام حذف دل عليه {أرسلنا} أي أرسلناهم بالبينات والزبر.
ولا يتعلق {بِالبيناتِ} ب {أرسلنا} الأوّل على هذا القول؛ لأن ما قبل {إلاّ} لا يعمل فيما بعدها، وإنما يتعلق بأرسلنا المقدّرة، أي أرسلناهم بالبينات.
وقيل: مفعول ب {تعلمون} والباء زائدة، أو نصب بإضمار أعني؛ كما قال الأعشى:
وليس مُجِيرًا إن أتى الحيَّ خائف ** ولا قائلًا إلا هو المتعيَّبَا

أي أعني المتعِيّب.
والبينات: الحجج والبراهين.
والزُّبُر: الكتب.
وقد تقدّم في آل عمران.
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر} يعني القرآن.
{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} في هذا الكتاب من الأحكام والوعد والوعيد بقولك وفعلك؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم مبيِّن عن الله عز وجل مراده مما أجمله في كتابه من أحكام الصلاة والزكاة، وغيرِ ذلك مما لم يفصّله.
وقد تقدّم هذا المعنى مستوفىً في مقدّمة الكتاب، والحمد لله.
{وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فيتّعظون. اهـ.

.قال الخازن:

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالًا نوحي إليهم}.
نزلت هذه الآية جوابًا لمشركي مكة حيث أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا الله أعظم وأجل أن يكون رسوله بشرًا فهلا بعث ملكًا إلينا فأجابهم الله بقوله: وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالًا يعني مثلك نوحي إليهم والمعنى أن عادة الله جارية من أول مبدأ الخلق أنه لم يبعث إلا رسولًا من البشر فهذه عادة مستمرة، وسنة جارية قديمة {فاسألوا أهل الذكر} يعني أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى، وإنما أمرهم الله بسؤال أهل الكتاب لأن كفار مكة كانوا يعتقدون أن أهل الكتاب أهل علم، وقد أرسل الله إليهم رسلًا منهم مثل موسى وعيسى وغيرهم من الرسل، وكانوا بشرًا مثلهم فإذا سألوهم فلا بد، وأن يخبروهم بأن الرسل الذين أرسلوا إليهم كانوا بشرًا، فإذا أخبروهم بذلك زالت الشبهة عن قلوبهم {إن كنتم لا تعلمون} إلخ.طاب لأهل مكة يعني إن كنتم يا هؤلاء لا تعلمون ذلك {بالبينات والزبر} اختلفوا في المعنى الجالب لهذه الباء فقيل المعنى، وما أرسلنا من قبلك بالبيِّنات والزبر إلا رجالًا يوحى إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر، وقيل الذكر بمعنى العلم في قوله فاسألوا أهل الذكر يعني أهل العلم والمعنى فاسئلوا أهل الذكر الذي هو العلم بالبينات والزبر إن كنتم لا تعلمون أنتم ذلك.
والبينات والزبر اسم جامع لكل ما يتكامل به أمر الرسالة، لأن مدار أمر الرسول على المعجزات الدالة على صدقة، وهي بالبينات وعلى بيان الشرائع والتكاليف، وهي المراد بالزبر يعني الكتب المنزلة على الرسل من الله {وأنزلنا إليك الذكر} إلخ.طاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني: وأنزلنا عليك يا محمد الذكر الذي هو القرآن وإنما سماه ذكرًا لأن فيه مواعظ، وتنبيهًا للغافلين {لتبين للناس ما نزل إليهم} يعني ما أجمل إليك من أحكام القرآن وبيان الكتاب يطلب منه السنة والمبين لذلك المجمل هو الرسول صلى الله عليه وسلم ولهذا قال بعضهم: متى وقع تعارض بين القرآن والحديث وجب تقديم الحديث لأن القرآن مجمل، والحديث مبين بدلالة هذه الآية والمبين مقدم على المجمل وقال بعضهم القرآن منه محكم، ومنه متشابه فالمحكم يجب أن يكون مبينًا والمتشابه هو المجمل ويطلب بيانه من السنة فقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} محمول على ما أجمل فيه دون المحكم البين المفسر {ولعلهم يتفكرون} يعني فيما أنزل إليهم فيعلموا به. اهـ.